facebook
Share |

١٨.٣.١١

اللــــــــــه

هذا الاسم الكريم علم على الذات المقدسة التي تؤمن بها، ونعمل لها ونعرف أن منها حياتنا وإليها مصيرنا.

والله تبارك وتعالى أهل الحمد والمجد، وأهل التقوى والمغفرة، لا نحصي ثناء عليه، ولا نبلغ حقه توقيرا وإجلالاً.





ولو أن البشر منذ كتب لهم تاريخ، وإلى أن تهمد لهم على ظهر الأرض حركة نسوا الله ما خدش ذلك شيئاً من جلاله، ولا نقص ذرة من سلطانه، ولا كسف شعاعاً من ضيائه، فهو سبحانه أغنى بحوله وطوله وأعظم بذاته، وصفاته وأوسع في ملكوته، من أن ينال منه وهم واهم أو جهل جاهل.

ولئن في عصر عكف على هواه، وذهل عن آخرته، وتنكر لربه، إن ضير ذلك يقع على أم رأسه، ولن يضر الله شيئاً.

ووجوده تعالى من البداهات التي يدركها الإنسان بفطرته، ويهتدي إليها بطبيعته، وليس من مسائل العلوم المعقدة، ولا من حقائق التفكير العويصة، ولولا أن شدة الظهور قد تلد في الخفاء واقتراب المسابقة جداً قد يعطل الرؤية ما اختلف على ذلك مؤمن وملحد {أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [إبراهيم: 10]

وقد جاءت الرسل لتصحيح فكرة الناس عن الألوهية، فإنهم وإن عرفوا الله بطبيعتهم، إلا أنهم اخطئوا في الإشراك به، والفهم عنه.

والبيئة الفاسدة خطر شديد على الفطرة، فهي تمسخها وتشرد بها، وتخلف فيها من العلل ما يجعلها تعاف العذب وتسيغ الفج، وذلك سر انصراف فريق من الناس عن الإيمان وقبولهم الكفر أو الإلحاد مع منافاة ذلك لمنطق العقل وأصل الخلقة.

وقد اقترنت حضارة الغرب التي تسود العالم اليوم بنزوع حاد إلى المماراة في وجود الله والنظر إلى الأديان جملة نظرة تنقص، أو قبولها كمسكنات اجتماعية.

ولا شك أن المحنة التي يعانيها العالم اليوم، أزمة روحية منشؤها كفره بالمثل العليا التي جاء بها الدين، فلا نجاة له ما يرتكس فيه إلا بالعودة إلى هذه المثل يهتدي إليها بفطرته كما يهتدي الجنين سبيله في ولادته، ومتى هدى العالم إلى الفطرة هدى إلى الإسلام، فإن الإسلام هو دين الفطرة.

إن الإنسان لم يخلق نفسه، ولم يخلق أولاده، ولم يخلق الأرض التي يعيش عليها، ولا السماء التي يستظل بها، والبشر الذي ادَّعوا الألوهية لم يكلفوا أنفسهم مشقة ادعاء ذلك، فمن المقطوع به، أن وظيفة الخلق والإبداع من العدم لم ينتحلها لنفسه إنسان ولا حيوان ولا جماد، ومن المقطوع به كذلك أن شيئاً من ذلك لا يحدث من تلقاء نفسه فلم يبق إلا الله.

ولو دخل المرء داراً فوجد فيها غرفة مهيأة للطعام، وأخرى للمنام، وأخرى للضيافة، وأخرى للنظافة لجزم بأن هذا الترتيب لم يتم وحده، وأن هذا الإعداد النافع لابد قد نشأ عن حكمة وتقدير وأشرف عليه فاعل يعرف مايفعل.

والناظر في الكون وآفاقه والمادة وخصائصها يعرف أنها محكومة بقوانين مضبوطة شرحت الكثير منها علوم الطبيعة والكيمياء، والنبات والحيوان والطب وما وصل إليه علم الإنسان من أسرار حاسم في إبعاد كل شبهة توهم أنه وجد كيفما اتفق: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان: 61-62]

وهذه الكواكب السيارة التي تخترق أعماق الجو، والتي تلتزم مداراً واحداً لا تنحرف عنه يميناً ويساراً، وتلتزم سرعة واحدة لا تبطئ فيها ولا تعجل، ثم نرقبها في موعدها المحسوب فلا تخالف عنه أبداً.

هذه الكرات الغليظة الحجم، الحي منها والميت، المضيء منها والمعتم، معلقة لا تسقط سائرة لا تقف، كل في دائرته لا يعدوها، وقد يصطدم المشاة والركبان على أرضنا، وهم أهل بصر وعقل... أما هذه الكواكب التي تزحم الفضاء فإنها لا تزيغ ولا تصطدم.

من الذي هيمن على نظامها وأشرف على مدارها؟

بل من الذي أمسك بأجرامها الهائلة، ودفعها تجري بهذه القوة الفائقة إنها لا ترتكز في علوها إلا على دعائهم القدرة: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [فاطر: 41]

أما كلمة الجاذبية فدلالتها العلمية كدلالة حرف (س) على المجهول، إنها رمز لقوانين تصرخ باسم الله، ولكن الصم لا يسمعون.
إن وجود كل منا له بداية معروفة، فنحن قبل ميلادنا لم نكن شيئاً يذكر {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} [الإنسان: 1]

وعناصر الكون الذي نعيش فيه كذلك بها بداية معروفة، وعلماء الجيولوجيا يقدرون لها أعماراً محدودة، مهما طالت فقد كانت قبلها صفراً، وكان هناك ظن بأن المادة لا تفنى، اعتمد عليه فريق من الناس في القول بقدم العالم، وما يتبع هذا القدم الموهوم من أباطيل، على أن تفجير الذرة هدم هذا الظن، ولو لم يتم تفجيرها ما قبلنا الذي يفتح على العالم أبواب الفناء ليس من الضروري أن يضعه الله في أيدي العلماء، وعدم اهتداء الناس إلى ما يدمر مادة الكون لا يعني أن مادة الكون غير قابلة للدمار والفناء.

إننا جازمون بأن وجودنا محدث لأن تفكيرنا وإحساسنا يهدينا لذلك، وغير معقول أن يتطور العدم إلى وجود تطوراً ذاتياً.

إنه إذا وقعت حادثة لم يدر فاعلها قيل: إن الفاعل مجهول، ولم يقل أحد: إنه ليس لها فاعل، فكيف يراد من العقلاء أن يقطعوا الصلة بين العالم وبين ربه.

إننا لم نكن شيئاً فكنا، فمن كوننا {قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91]

نشوء حياتنا هذه ودوامها يقومان على جملة ضخمة من القوانين الدقيقة يحكم العقل باستحالة وجودها هكذا جزافاً، فوضع الأرض أمام الشمس مثلاً ثم على مسافة معينة لو نقصت بحيث إزداد قربها من الشمس لاحترقت أنواع الأحياء من نبات وحيوان، ولو بعدت المسافة لعم الجليد والصقيع وجه الأرض وهلك كذلك الزرع والضرع، أفتظن إقامتها في مكانها ذاك جاء خبط عشواء.

وحركة المد والجزر التي ترتبط بالقمر، أفما كان من الممكن أن يقترب القمر من أمه الأرض أكثر فيسحب أمواج المحيطات سحباً يغطي به وجه اليابسة كلها ثم ينحسر عنها وقد تلاشى كل شيء؟

من الذي أقام القمر على هذا المدى المحدود، ليكون مصدر ضوء لا مصدر هلاك.
إننا على سطح الأرض نستنشق الأوكسجين لنحيا به، ونطرد الكربون الناشئ من احتراق الطعام في جسومنا، وكان ينبغي أن يستنفذ الأحياء، وما أكثرهم، هذا العنصر الثمين في الهواء، فهم لا ينقطعون عن التنفس أبداً، لكن الذي يقع أن النبات الأخضر يأخذ الكربون ويعطي بدله أوكسجين، وبهذه المعاوضة الغريبة يبقى التوازن في طبيعة الغلاف الهوائئ الذي يحيا في جوه اللطيف الحيوان والنبات جميعاً.

إنني أحياناً أسرح الطرف في زهرة مخططة بعشرات الألوان التقطها من بين مئات الأزهار الطالعة في إحدى الحدائق، ثم أسأل نفسي: بأي ريشة نسقت هذه الألون؟

إنها ليست ألوان الطيف وحدها، إنها مزيج رائق ساحر من الألوان التي تبدو هنا مخففة، وهنا مظللة، وهنا مخططة وهنا منقطة.

وانظر إلى أسفل إلى التراب الأعفر إنه بيقين ليس راسم هذه الألوان، ولا موزع أصباغها، هل المصادفة هي إنني أشرقت على ذلك، إن المرء غبياً جداً عندما يتصور الأمور على هذا النحو.

إن إنشاء الحياة في أصغر خلية يتطلب نظاماً بالغ الإحكام، ومن الحمق تصور الفوضى قادرة على خلق (جزيء) في جسم دودة حقيرة فضلاً عن خلق جهازها الهضمي والعصبي، فما بالك بخلق هذا الإنسان الرائع البنيان الهائل الكيان ثم ما بالك بخلق ذلك العالم الرحيب؟

إن العلم بريء من مزاعم الإلحاد، ومضاد لما يرسل من أحكام البلهاء، الحق أن الإلحاد الذي يشيع بين طوائف المتحذلقين والمتنطعين لا يستند البتة إلى ذرة من المعرفة أو التفكير السليم.

بقلم فضيلة الإمام/ محمد الغزالي

موقع وذكر الإسلامي
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Walgreens Printable Coupons | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة