facebook
Share |

٢٤.٣.١١

كيف أتغلب على الشيطان وأنسى الماضي ولا أفكر به؟


السؤال
السلام عيكمورحمة الله وبركاته، وبعد:

هل الدعاء أن يرزقني الله ما أريد خلال فترة معينة جائز - كأن أدعو أن يعطيني الله الشيء خلال أسبوع حتي أعلم أنها ستجاب لي - ؟!




علما أني عملت بنصائحكم، ولكن أحيانا يسيطر علي اليأس، وقد بدأ لما تركني خطيبي، ولو أني لم أرفض العريس لارتحت من النكد والتعب، ومشكلتي أني حساسة جدا وأي كلمة جارحة تجعل دموعي تسيل على خدي، فكيف لي أن أثق بنفسي وأحقق ذاتي وأحصل على ما أريد؟ ولماذا كل شيء أريد القيام به يفشل وأرى الباب أمامي مغلقاً؟ وكيف أتغلب على الشيطان وأنسى الماضي ولا أفكر به؟ وكيف أترك المعاصي التي أقترفها منذ عشر سنين؟ وهل المعاصي تحرم النعمة وتسبب تأخر الزواج؟ وكيف أنسى خطيبي السابق وما سبب خوفي عليه أن يموت عاصيا؟!

وأشعر أحيانا أني يائسة من الحياة وأتمنى الموت، وأحيانا أشعر بأمل وأعلم أن الله سوف يعطيني خيرا علي صبري، ولكن الوضع السيء الذي أعيش فيه هو سبب ألمي ومعاناتي، وهل إذا تزوجت سوف أصبح تعيسا، ولن أعلم طعم الراحة.

حب الناس لي يسعدني ودعواتهم لي تريح قلبي، فلا يمر يوم دون أن يرزقني الله دعوة من أحد يحبني، ولكن لم يقدر الله لي! وأعلم أن كل شيء مكتوب سأراه.

وجزاكم الله كل خير.


الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم 
الأخت الفاضلة/ نور الإسلام حفظها الله. 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،، 

فأهلاً وسهلاً بك يا ابنتي، فإنك والله في منزلة البنت القريبة والأخت الكريمة، ونسأل الله عز وجل أن يفتح عليك من بركاته ورحماته فتحًا مبينًا وأن يهديك صراطًا مستقيمًا وأن ينصرك نصرًا عزيزًا وأن يفرج كربك وكرب كل إخواننا المسلمين وأن يفتح عليكم من بركاته ورحماته.

وأما عن أسئلتك فإن دعائك ربك جل وعلا من أعظم العبادات ومن أعظم القربات، ولكن لا ينبغي أن يكون هنالك تحديدًا للوقت لأن هذا أمر مرده إلى الله جل وعلا، فمثلاً لا ينبغي أن يكون الدعاء (اللهم ارزقني زوجًا في خلال هذا الشهر أو في خلال هذا الأسبوع)، فهذا أمر الأفضل تركه وإن كان يجوز شرعًا أن يقول الإنسان (اللهم ارزقني في هذا الأسبوع مالاً كثيرًا، أو اللهم ارزقني في هذا الشهر زوجًا صالحًا)، فهذا أمر لا حرج فيه لأنه من استعجال الخير، ولكن الأولى والأكمل أن تفوضي الأمر إلى الله جل وعلا وأن تكوني كما قال العبد الصالح: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}، وأن تسألي ربك جل وعلا على وجه العموم مفوضة أمرك إليه واثقة بقربه منك، فقد قال صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة، ثم تلا قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}) ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم تبارك وتعالى حييٌ كريم يستحي إذا رفع العبد يديه أن يردهما صفرًا) أخرجه الترمذي في سننه، أي أن يستحي أن يردهما خاليتين.

وهذا قد بيَّنه صلى الله عليه وسلم في حديث آخر فقال: (ما من مسلم يدعو الله تعالى بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذن نُكثر. قال: الله أكثر) أخرجه الترمذي أيضًا في سننه، أي الله أكثر إحسانًا وأعظم فضلاً وخيرًا.

وأما عن سؤالك عن شعورك بأن هذه الأفكار تسيطر عليك وأنك تتساءلين دومًا: لماذا تركني خاطبي ولو أنني لم أرفض الزواج به لارتحت من النكد والتعب؟ فهذا إنما هو من تسويل الشيطان، فإنك قد تركته لما ظهر لك عدم استقامته وإقامة علاقة مع فتاة غيرك، فهذا قد صدر منك وكان هو الصواب في هذا الوقت خاصة لو تدبرت في شأن أن تتزوجي رجلاً لا تعرفين التزامه بطاعة الله جل وعلا فحينئذ سيكون وقع الأمر شديدًا عليك، فطالما أنك تركته بسبب تلك الأحوال التي أشرت إليها فلا ينبغي أن تتندمي ولا ينبغي أيضًا أن يقع في نفسك مثل هذا الشعور لأن المؤمنة تربط نفسها بطاعة الله جل وعلا وتفوض أمرها إليه ثم بعد ذلك لابد لك من التصبر، وقد قال صلوات الله وسلامه عليه: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً أوسع من الصبر) رواه مسلم في صحيحه.

وأما عن تأثرك بما يقال فإن هذا الأمر قد يقع لأي إنسان وهو أن تؤثر فيه الكلمات الجارحة وربما أنزل الدموع حتى ولو كان من الرجال فكيف بالنساء؟ عدا أنك في هذا الوقت تشعرين بشيء خاصٍ من المشاعر المكتومة في صدرك لاسيما أمر تأخر الزواج وشعورك بالحرج حتى مع أسرتك ومع والدتك، فهذا يجعلك أكثر عرضة للتأثر بما قد تسمعينه من الكلمات، فهوني على نفسك وابذلي جهدك في بث همك وحزنك إلى الله جل وعلا، ولو قدر أنك سمعت بعض الكلمات الجارحة فإن أمكنك أن تردي على أصحابها ببيان أن هذا الكلام لا ينبغي أن يقع منهم وأنك تتأذين من مثل هذا الكلام فهذا هو المطلوب، وإلا فادفعي عن نفسك بالأسلوب اللطيف الممكن الذي يحفظ لك شعورك ويحفظ لك إحساسك، وفي جميع الأحوال فعليك ببث همك إلى الله وإن وجدت صديقة ناصحة من الأخوات الفاضلات فيمكنك التشاور معها في كيفية علاج مثل هذه الأمور لتهوني على نفسك ولتجدي متنفسًا تتنفسين به عما يصيبك من الهم والغم في هذا.

وأما عن تحصيل الثقة في النفس وكسب المصالح في الدين والدنيا فإنه أمر يطول شرحه وقد أفردنا فيه أجوبة عديدة فنود أن تنظري فيها فستجدين فيها الفائدة في ذلك بإذن الله عز وجل.

وأما عن شعورك بأنك عندما تسعين في أمر تشعرين أنك تخفقين فيه وأن الباب مغلق فيه، فالجواب أن تتذكري كيف كنت وكيف أصبحت، إنك قد بينت في أسئلتك الكريمة أنك كنت في يوم من الأيام بعيدة عن الله جل وعلا وكنت تنظرين لأهل الالتزام بطاعة الله نظرة مخالفة وها أنت الآن قد منَّ الله عليك بالالتزام بطاعة الله، قد منَّ عليك بالقرب منه، فأي خير هذا الذي فتح لك! كيف تقولين إن الباب مغلق في وجهك وأنت قد تبت إلى الله جل وعلا ورجعت إليه؟!
فإن قلت: فإن لديَّ بعض الذنوب القديمة والذي قد اعتدت عليها، فلنضرب لك مثالاً في هذا الأمر فلعله أن يقع منك موقعًا، فمثلاً: بعض الفتيات قد يتعودن على ممارسة العادة السرية ويستمر ذلك معهنَّ حتى بعد توبتهنَّ إلى الله جل وعلا، فما هي صانعة في هذه الحالة؟! 

إن عليها أن تعالج هذا الأمر بالتوبة إلى الله، وكل ما وقع منها هذا الخطأ عالجته بتوبتها، فهي لا ترتكب الفاحشة بهذا، ولا ينبغي أن تنظر لنفسها على أنها زانية ولكن ينبغي في هذه الحالة أن تعلم أنها قد أخطأت وأن علاج هذا الخطأ هو تقوى الله جل وعلا والأخذ بطاعته ولزوم طريق التوبة ثم البحث في الأسباب الموصلة إلى التخلص من هذه العادة على وجه التمام والكمال، كما أشرنا إلى ذلك في أجوبة مفصلة يمكنك الرجوع إليها للاستفادة.

فهذا ضربناه لمجرد المثال لتقيسي عليه، فإن الإنسان قد يجد بعض الذنوب التي قد يتعود عليها نتيجة لأوقات قد مر بها ثم يصعب عليه تركها، ولكن بعزيمة المؤمنة الصادقة تستطيعين أن تتخلصي منها بإذنِ الله عز وجل، ولا ينبغي ها هنا أن يصيبك الإحباط من أنك لن تنالي رضا الله أو أنك مخذولة أو أن كل الأمور مغلقة في وجهك، ولكن الزمي طريق التوبة إلى الله جل وعلا وجدديها كل ما وقع منك خطأ أو ذنب، فبهذا تنالين رضا الله عز وجل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) أخرجه الترمذي في سننه. 

وأما سؤالك عن كيفية التغلب على الشيطان وأن تنسي الماضي والتفكير فيه، فهذا يكون أولاً بالاستعاذة بالله من هذه الأفكار ومن هذه الوساوس التي ترد على نفسك، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، ثم بالتيقظ لهذه الأفكار وعدم الاسترسال فيها، فمتى ما شعرت بها فاطرديها عن نفسك، ثم تشاغلي عنها بكل ما هو نافع لك، فبهذا تتخلصين بإذن الله عز وجل من أسرها، فإن الماضي الأليم إذا تذكره الإنسان أصابه الحزن والهم والغم، والمؤمن صاحب بصيرة ويعلم أن الشيطان يريد أن يحزنه ويريد أن يذكره بتلك المعاصي ويذكره بتلك الأخطاء وبتلك الأيام التي قد مرت به أيضًا والتي كان فيها أحزان ومصائب قد وقعت له فحينئذ يصيبه شعور بالإحباط وشعور بالحزن وبالأسف، وهذا هو الذي يريده الشيطان أن يوقع الإنسان في مثل هذا الضر، فعليك بالتيقظ لذلك بمضادة هذه الأفكار والعمل الصالح النافع الذي يعينك على التخلص منها سواء كان ذلك في دينك أو دنياك.

وأما سؤالك عن المعاصي وأثرها فلا ريب أن المعصية لها آثارها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد ضعيف أنه قال: (إن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه)، ولا ريب أن للسيئة آثارًا وقد تؤدي إلى العقوبة من الله جل وعلا عاجلاً أو آجلاً، ومع هذا فأنت تتعاملين مع رب رحيم كريم يغفر الزلة ويتوب على من تاب، فعالجي كل ذنب يقع منك بالتوبة العاجلة إلى الله جل وعلا، ولا ينبغي أن يكون هنالك يأس من التخلص من أي ذنب تقعين فيه، وكذلك فلتأملي برحمة الله الواسعة مع كونك تخافين عقابه وتحرصين على الرجوع إليه جل وعلا.

وأما عن تأخر زواجك فليس من شرط ذلك أن يكون عقوبة من الله جل وعلا، ولكن قد يكون ذلك اختبارًا وابتلاءً ورفعة للدرجات، على أن المؤمنة تحرص على طاعة الله جل وعلا وإذا أصابها شيء من الأمور فإنها قد تفتش في نفسها وتفتش في ذنوبها حتى تتقيها، فإن للذنوب شؤم يصيب الإنسان، وقد قال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ – أي من نعمة - فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ – أي من مصيبة - فَمِنْ نَفْسِكَ}، فينبغي أن يكون هنالك تفتيش للنفس عن الذنوب وعن الخطايا مع حسن الظن بربك جل وعلا وتأميلٍ لرحمته الواسعة، فبهذا يحصل لك الاعتدال وهو أن تعيشي بين الخوف من الله جل وعلا وبين رجاء رحمته جل وعلا.

وينبغي أن تهوني على نفسك وأن تستبشري بقرب الفرج، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (واعلم بأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرًا) رواه الإمام أحمد في المسند، وقال جل وعلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}.

وأنت تحتاجين إلى التخلص من التفكير بخاطبك عن طريق معرفة مضرة هذا التفكير، فلاحظي أنك تصلين إلى حالات تجدين فيها أنك ضيقة الصدر ودمعتك على خدك وتشعرين بمشقة فادحة تنالك عدا تفكيرك في تأخر زواجك وغير ذلك من الأمور، كل ذلك من نتائج هذا التفكير، فمعرفتك الضرر الذي يصيبك بهذا التفكير يحصل لك بإذن الله نفور منه ، وأيضًا تعاملين هذه الأفكار معاملة وساوس الشيطان بالطريق الذي أشرنا إليه وهي الاستعاذة بالله منها ومن شرها ومن شر من وسوس بها ثم بمضادتها وعدم الاستسلام لها، وتحصيل الخيرات وشغل النفس بالحق لئلا تشتغل بالباطل.

نسأل الله عز وجل أن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يفرج كربك، ونتضرع إليه برحمته التي وسعت كل شيء أن يرزقك الزوج الصالح الذي يقر عينك، وأن يفتح عليك من بركاته ورحماته وأن يزيدك فضلاً إلى فضل وخيرًا إلى خير.

وبالله التوفيق.
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Walgreens Printable Coupons | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة